دعم الموسوعة:
Menu
Lynda Clarke

مادة هذا الجزء مفیدة للمؤمنین العصریین

 

کتبت الدکتورة لیندا کلارك مقدمة باللغة الإنکلیزیة عن الجزء الأول من”  الرؤیا … تأویل و مشاهدات”  من دائرة المعارف الحسینیة،  و هذه ترجمته العربیة :

 

انتهت النبوة،  و لم یبق ثمة إلا حملة الأخبار الجیدة …"  و هذه هي”  الرؤیا الحقیقة(حدیث للنبي محمّد)

المجلد الحالي لدائرة المعارف الحسینیة،  یحمل عنوان”  الأحلام : الرؤى و التفاسیر” ،  وهو یتعلق بالرؤى التي شاهدها الإمام الحسین،  شهید العبرات في کربلاء،  و أصغر إبني فاطمة بنت النبي،  و علي بن أبي طالب،  ابن عم النبي،  اللصیق،  و – في رأي الشیعة – الوریث الشرعي لمحمّد،  و الرؤى التي رآها آخرون حول الحسین . 

و مؤلف الموسوعة،  هو آیة الله محمّد صادق محمّد الکرباسي،  الذي تلقى تعلیمه في کربلاء بالعراق،  ویقیم حالیا في لندن،  حیث یُشرف على الموسوعة. و هو هنا،  جَمع نصوصاً تمّ تداولها بالأسالیب الشفهیة،  ودُوّنت في کلاسیکیات الأدب الشیعي،  مثل :”  أمالي الطوسي”  و”  مناقب آل أبي طالب”  لأبن شهر آشوب،  و”مقتل الحسین”  لأبي مخنف،  و”أمالي الشیخ الصدوق” ،  و غیرها. و المجموعة تسعى إلى أن تکون شاملة،  و أن یکون کل جزء منها مشفوعاً بالملاحظات الشاملة و التعلیقات . 

إن موضوع الأحلام أمرٌ مهم في الإسلام بشکل عام. و قد احتوت سیرة النبی نفسها على روایات حول العدید من الأحلام و الرؤى التی أکدت أن صحة الإسلام و صدق بعثة النبي تم إثباتهما ابتداءً بما أخبر به جدُّ النبي عبد المطلب،  حین روي أنه قد أُمر في عالم الرؤیا بأن یحفر بئر زمزم (1). و قد طُمئن النبي بأنه سیدخل مکة ”بسلامٍ آمناً”  خلال رؤیا رآها.(2) 

و حتى الوحي الأول،  رُوي أنه قد جاء إلى النبي في حالٍ تُشبه النوم(3). و کذلك فروایات الأحلام و الرؤى،  ترتبط و تتعلق،  في الواقع،  بأشخاص من کل الأنواع،  و توجد في طیات الکتب الدینیة (على سبیل المثال مجموعات الحدیث) وفي الأدبیات الأکثر علمانیة مثل التواریخ و السِیَر . 

و تبدو علاقات الأحلام واضحة،  و خصوصاً في أعمال السِیَر(4)،  و هي تستخدم بشکل شامل في معظم المجالات التي یشملها الحدیث،  فیما تشاطره وظیفة مشابهة جداً،  و هي أن الرؤى الحرفیة (تلك الأحلام التي تصوِّر الأحداث بوضوح،  بدلاً من الظهور في رموز مشفّرة) ربما بَدَتْ حتى کنوعٍ فرعي لأدب إنشاء الحدیث (5) 

إن مادة بمثل هذا الحجم تمتلك کلتا المیزتین التالیتین : فهي سِیَرِیّة،  کما أنها تلخّص ذات النمط من الأسئلة المبوّبة وفق الأحادیث الشیعیة،  تلك الحقوق و المُعاینات و العلم الکلي للإمام،  و هو في هذه الحالة الإمام الحسین . 

إن موقع الأحلام و الرؤى مرکزيّ في الحضارة الإسلامیة. و قد عُدّت قناة الانعکاسات الحقیقیة من العالم الآخر إلى هذا العالم،  و إن کان من المعترف به أن بعض الأحلام کانت أکثر صحة من البعض الآخر. و علاوةً على ذلك فان تعبیر الأحلام و تأویلها کان علماً محترماً عموماً. و لم یکن مریباً أو”  غیر تقلیدي”  مثل ممارسة بضعة أشخاص یعملون سرّاً و على الهامش،  لموضوع منحصر عادة بالممارسة و التحقیقات العلنیة،  مثل الکیمیاء،  و هذا ما هو مبَرهنٌ علیه في الأدبیات الشاملة لکتب الأحلام،  التي ألّفها العلماء المشهورون،  و التي تتضمن قوائم للرموز التي تظهر في الأحلام،  و تفسیراتهم الواقعیة لها.(6) 

و قد ظهر أن ”التکهُّن بالأحلام،  یبدو الوحید المقبول إسلامیاً،  من بین الأشکال المتعددة للکهانة و العِرافة ذات الأصل غیر الإسلامي”.(7) 

و قد کان تفسیر الأحلام سمة واضحة للتصوف خاصة،  إذ إن أشهر کتاب لتفسیر الأحلام من بین جمیع الکتب ذات الصلة،  هو کتاب ابن سیرین ( المتوفى 728 أو 729 م ) و هو من المتصوفة.(8) 

و من المحتمل أن یکون الاهتمام بالرؤى و الأحلام متزایداً أیضاً لدى التشیع،  بما فیه الإثنا عشریة،  منذ أن رکّز هذا المذهب – مثل الصوفیة – على الباطنیة،  بالإضافة إلى ذلك،  فقد عُدّ الأئمة شیعیاً وارثین لکل علم النبي،  و حائزین – في الحقیقة – على کلّ شيء،  و ممتلکین لقابلیة الاتصال من ما وراء العالم المشهود،  و إن لم تکن هذه القوة و القابلیة کالنبوة تماماً،  و یستتبع هذا الأمر،  من ثمّ أن یکون ما یرونه من رؤى و أحلام صادقاً،  و أن یتفوّقوا ویمتازوا على غیرهم في تفسیرهم للأحلام. و لذلك فلا عجب أن نسمع عن وجود رسالة لتفسیر الأحلام منسوبة للإمام السادس،  جعفر الصادق – الذي یعتبره الشیعة موضعاً و مصدراً لأعلى درجات المعرفة،  بما فیها الحکمة الباطنیة.(9) 

إن الإیمان بصحة الأحلام و تعبیر الرؤى یمتد عمیقاً في المذهب الشیعي،  و لذلك فنحن نجد مشاهد للأحلام ظهرت بشکل مباشر و بصورة شاملة في الروایات الشیعیة و في تفسیر القرآن،  و یمکن لهذه المشاهد العفویة أن تزوّدنا بصورة لبعض الأفکار الکامنة وراء ما جمع في هذا المجلد من موضوعات . 

ففي کتاب ”بحار الأنوار”  للشیخ محمد باقر المجلسي (موسوعة في الحدیث تنتمي إلى القرن السادس عشر المیلادي) تمت الإشارة إلى الأحلام و الرؤى کجزءٍ من باب ”الإنسانیة،  الرّوح و الجسم”  و قد تابع هذا الجزء مناقشة ”حقیقة”  النفس و الروح،  و خلق الأبدان و الأرواح،  و کیف جاءت الأبدان و الأرواح سویّة. و هکذا فقد اعتُبرت الأحلام و الرؤى جزءً من التکوین الطبیعي و النفسي للوجود الإنساني،  و الموقف إزاءها مشجِّعٌ و مؤیدٌ على نحوٍ بیِّنٍ . 

و هناك على أیة حال،  و في الوقت ذاته،  نوعیات متعددة من الأحلام الممیزة : الحق و الباطل،  الحرفي،  الرمزي،  و الخلیط أو المشوَّش (أما ما یتعلق منها بالأئمة،  فهي،  طبعاً،  حقیقیة و واضحة) و هکذا،  فقد عُنون الفصل الأول لدراسة المجلسي بـ” حقائق تتعلق بالرؤى و تعبیرها،  و فضیلة و علّة رؤیة الرؤیا الصادقة و سبب الرؤیا الباطلة. 

و یذکِّرنا المجلسي أولاً بإشارات القرآن إلى الأحلام،  و خاصة تلك المتعلقة برؤى یوسف – النموذج القرآني للرؤیا المُلْهَمة – و فیما یتعلق بیوسف،  فقد اقتبس جزءً من تفسیر القمّي النیسابوري،  مفسِّر القرن الثالث،  حیث حلّل سیکولوجیة الأحلام،  یقول النیسابوري.(10) 

" و اعلم أنه سبحانه خلق جوهر النفس الناطقة بحیث یمکنها الصعود إلى عالم الأفلاك و مطالعة اللوح المحفوظ،  و المانع لها من ذلك هو اشتغالها بتدبیر البدن و ما یرد علیها من طریق الحواس،  و في وقت النوم تقلّ تلك الشواغل فتقوي النفس على تلك المطالعة،  فإذا وقفت النفس على حالة من تلك الأحوال فان بقیت في الخیال کما شوهدت لم تحتج إلى التأویل،  و إننزلت آثار مخصوصة مناسبة للإدراك الروحاني إلى عالم الخیال فهناك یفتقر إلى المعبر. ثم منها ما هي متّسقة منظمة یسهل على المعبّر الانتقال من تلك المتخیلات إلى الحقائق الروحانیات،  ومنها ما تکون مختلطة مضطربة لا یضبط تحلیلها و ترکیبها لتشویش وقع في ترتیبها و تألیفها فهي المسماة بالأضغاث،  و بالحقیقة الأضغاث ما یکون مبدءها تشویش القوّة المتخیّلة لفساد وقع في القوى البدنیة،  و لورود أمر غریب علیه من خارج،  لکن القِسم المذکور قد یُعد من الأضغاث من حیث أنها أعیت المعبِّر عن تأویلها . 

نرى هنا،  تأثیرات الفکر الیوناني،  فتحلیلات النیسابوري تعتمد على سیکولوجیة المَلَکةُ العقلیة (القدرة أو الاستعداد) المشتقّة من أرسطو،  و الأساسیة بالنسبة للشرائح الأبیستمولوجیة 

( فلسفة المعرفة ) في الفلسفة الإسلامیة(11)،  و هذا النوع من الفلسفة مندمج جیداً في الإسلام الشیعي،  لأن الأحادیث تذکر أن الوجود الإنساني یحتمل أن یمتلك خمس مَلَکات أو قدرات”  أرواح”  [12] و الأئمة وحدهم،  هم الذین یمتلکون،  على أیة حال،  القدرة أو المَلَکة الأعلى،  أو روح القدس. و هذه نفس الروح اللازمة في الأنبیاء – مع أنها لا تجعل الإمام طبعاً في حالة تلقّي الوحي – و الروح (یصرّ الشیعة) شيءٌ ما،  مختلف بالکامل عن جبرئیل. و من خلال الروح،  یُخبَر الأئمة بتطور الأحوال و الظروف(13)،  هذا الوصف لقدرة الإمام الرفیعة و المتفتحة إلى تلقِّي الاتصال من العالم الآخر،  یعیننا على أن نفهم لماذا یتلقى الأئمة رؤى صادقة،  و یعرفون تفسیر الأحلام. وبشکل مشابه یجمع المجلسي عدداً من الأحادیث التي تصف الأحلام کـ”  جزءٍ باقٍ من النبوة”.(14) 

و تتعلق إشارات المجلسي الأخرى في الغالب بشأن تفسیر الأئمة الحاذق لأحلام أتباعهم،  و لکننا نسمع أیضاً عن ظهور الأئمة في الأحلام. و یوصي أحد الأحادیث باسم الإمام جعفر الصادق بأن یبادر الراغب في رؤیة الأئمة إلى الوضوء و مناشدتهم ثلاث لیالٍ متتالیة،  و بعدها سیرى الإمام الذي سیُخبره بما یحتاج أن یعرف حول وضعه (15) ویطمئننا المجلسي بأن أي رؤیا یظهر فیها النبي أو الإمام و یأمر الحالم بأن یعمل حسناً،  إنما هي رؤیا صادقة یمکن الاعتماد علیها.(16) 

و یبدأ هذا الجزء من دائرة المعارف الحسینیة بوصف ظاهرة الأحلام،  بشکل عام،  و هي المناقشة التي أخذت أکثر من نصف هذا الجزء،  و قد دوّنت آراءٌ شیعیة في الأحلام (تتطابق إلى حدٍّ کبیر مع الآراء الإسلامیة العامة) مع مناقشة النظریات العلمیة المعاصرة المتعلقة بأوضاع الحلم. إن کیاني المعرفة یفترضان أن یکونا منسجمین .

أما الجزء الثانی،  فیتعلق بالرؤى التي أخبر الحسین – أحد الأئمة الإثني عشر – بأنه رآها بنفسه،  متبوّبة بعشرین حلماً تدور حول الحسین في حیاته،  ثم بأربعین حلماً عن الحسین رؤیت في غضون الفترة الواقعة بین مقتله و غیبة الإمام الثانی عشر،  المهدي . 

إن أکثر الأحلام في الصنفین الأولین هي تنبؤآت لمعاناة الأئمة و استشهادهم. و هي تستخدم في تصعید الأهمیة الکونیة لتلك الوقائع. و إننا لَنَتَعلّمُ أن الحسین حَدَسَ بوضوح،  و خلال الرؤى و الأحلام قَدَرُه الخاص. و هذا ما یتّسق مع العلم شبه الکلي للإمام،  و یؤکد المآسي غیر المتحققة لحیاته. و قد جرّبت فاطمة عدة تنبؤآت مثل هذه،  بما یلیق بالصلة القریبة و الشعوریة للأم إلى أبنها. و معظم الأحلام من الصنف الأخیر من الثلاثة یتعلق بالاستشهاد أیضاً. و هذه الرؤى تصوِّر المعزّین (النادبین) القادرین على المشارکة بشکل أکثر مباشرةً في تجربة کربلاء،  و تشکل صلة شخصیة مع الشهداء خلال أحلامهم . 

و تصوِّر الرؤى الأخرى الحسین في الجنة بمعیّة أفرادٍ من عائلته المقدسة،  هنا یُطَمْأن الحالم أو القاريء بالنصر النهائي للشهید،  و باتساع قضیة التشیع. و هکذا،  فمن وجهة نظر القاريء،  فالأحلام إما أن تعکس و تشجّع مشاعره أو مشاعرها الخاصة بالحزن للأئمة. أو هي تعویضیة،  و هذه الرؤى و الأحلام،  في التحلیل النهائی،  اتساع شخصي إلى حدٍّ کبیر في أدب الحداد الشیعي،  لأنها تسجّل إمکانیة التوحّد الحقیقي مع الشهید و حزنه،  في حیّز الحلم . 

و المؤلف،  یصنّف کلاًّ من هذه الأحلام على أنها إما واضحة و حرفیة،  أو تتطلب تفسیراً،  و أینما تطلبت الرؤى تعبیراً،  فإن معاني الرموز الفردیة و معاني الحلم ککل سیتم شرحها،  مستعملاً أبعد ما یمکن من مفاتیح أُعطیت مسبقاً عبر الوصایا الشفهیة،  و بینما یبدو إحصاء الأحلام محدداً بما قبل الغیبة الصغرى،  فمن المحتمل أن تکون مادة هذا الجزء مفیدة للمؤمنین العصریین الذین أدرکوا أو یرغبون فی أن یدرکوا السیماء الحقیقیة للإمام .

 

Canada لیندا کلارك (Lynda Clarke)

جامعة کونکوردیا – مونتریال - کندا

 

--------------------------------------------------------------

[1] في ترجمة سیرة ابن هشام (حیاة محمد، أوکسفورد 1955) ص 45، 62، 64.

[2] المصدر نفسه: 507.

[3] المصدر نفسه: 106.

[4] راجع ما نوقِش في ف. م. دوغلاس” الأحلام، الأعمى و علامات الملاحظة السِیَریة – دراسات إسلامیة: 51 (1961)، 137 – 162 .

[5] لي کنبرغ” الأحلام الحرفیة و النبویة – الحدیث – الإسلام 70 (1993): 283 و 300.

[6] للإطلاع، راجع ما قیل أنها أقدم مقالة متبقیة حول عقدة تکهّن المسلم بالأحلام (منذ منتصف القرن التاسع المیلادي) أنظر: جي. م. کستر”  تفسیر الأحلام – مخطوطة مجهولة لکتاب ابن قتیبة ( عبارات الرؤیا ) ص 76 – 101 .

[7] دوغلاس – ” الأحلام” 142.

[8] منتخب الکلام في تفسیر الأحلام، و عرف أیضاً بتفسیر الأحلام الکبیر أو تفسیر الرؤیا، و قد تُرجم إلى العدید من اللغات، من بینها الإنکلیزیة و الفرنسیة.

[9] أنظر: ن. بلاند” في علم تفسیر الأحلام الإسلامي” ص 16، و. م. هدایت حسین” رسالة فی تفسیر الأحلام.

[10] بحار الأنوار: 58/154 (بیروت – مؤسسة الوفاء 1983/1403). و قد ناقش المجلسي سیکولوجیة الأحلام أیضاً بشکل مفصّل ص 190 و ما بعدها .

[11] لمناقشة الأحلام کجزء من نظریة المعرفة الفلسفیة، أنظر: س. بینس” النّص العربی المنقّح، لبارفا ناتورالیا و المذهب الفلسفي، و مصادر أخرى … الثقافة الإسلامیة 6 (1932) 568 – 585. و عنوان المادة،  و الذي هو بالفارسیة”  کامل التقاسیم”  و الوصف یُظهره على أنه قائمة مفاتیح إلى الرموز،  کما و جدت في کتب”  التعبیر  .

[12] مثل هذه الفکرة، في الحقیقة، عامة في الإسلام ککل. أنظر : دنکان بلاك ماکدونالد”  تطور فکرة الروح في الإسلام”  أکتا أورینتالیا”  ( 1931 ) 307 – 351 .

[13] مثل هذه الفکرة، في الحقیقة، عامة في الإسلام ککل. أنظر : دنکان بلاك ماکدونالد”  تطور فکرة الروح في الإسلام”  أکتا أورینتالیا”  ( 1931 ) 307 – 351 .

[14] البحار للمجلسي – الجزء الثامن ص 190 – 193،  و هذه الأحادیث تظهر أیضاً في المذاهب السُنیّة .

[15] المصدر نفسه: 167.

[16] المصدر نفسه: 211-212.